المقال: أصداء الألم والفخر ، المعاناة المستمرة لأهل القدس .
أصداء الألم والفخر ، المعاناة المستمرة لأهل القدس .
معاناة وصمود أهل القدس تحت الاحتلال
*“القدس، المدينة المقدسة التي تتناغم فيها الأديان والتاريخ، تقف شاهدًا على معاناة هائلة وصمود لا ينكسر. يواجه سكان المدينة واقعًا يوميًا صعبًا، يتشكل بفعل الاحتلال الذي يسعى لتفتيت روحهم وتهجيرهم من أرضهم.
إحدى أبرز مظاهر هذه المعاناة هي سياسة هدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري. في أحياء مثل الشيخ جراح وسلوان، تعيش العائلات تحت تهديد دائم بفقدان منازلها. تستخدم السلطات الإسرائيلية ذرائع قانونية لتحقيق مطامعها في الاستيلاء على ممتلكات عاش فيها الفلسطينيون لعدة أجيال، وتجبرهم على الرحيل ليحل المستوطنون مكانهم. رؤية منزل يُهدم، بما يحمله من ذكريات وممتلكات تتحول إلى أنقاض، هو كابوس يطارد هذه المجتمعات، تاركًا الأطفال والآباء في قلق دائم من أن يكون منزلهم هو التالي.
الجدار الفاصل الإسمنتي هو رمز آخر للمعاناة، حيث يشق المدينة ويقطع أوصال الأحياء ويفصل العائلات. أقارب كانوا يعيشون على بعد دقائق يصبحون فجأة بحاجة إلى تصاريح خاصة لرؤية بعضهم البعض. الجدار لا يقسم العائلات فحسب، بل يعيق الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية وحتى الأماكن الدينية. رحلة الذهاب إلى المدرسة أو زيارة المستشفى تتحول إلى مغامرة معقدة، تمر عبر شبكة من الحواجز العسكرية، حيث يكون الانتظار الطويل والتفتيش المهين جزءًا من الروتين اليومي.
المدارس في القدس تعاني تحت ضغوط هائلة. الأطفال الفلسطينيون يتوجهون إلى صفوفهم عبر نقاط التفتيش، حيث يكون العنف أمرًا معتادًا، ويشهدون أو يعانون منه بشكل مباشر. الأثر النفسي على هؤلاء الطلاب كبير، إذ يكبرون وسط صدمات نفسية وعدم استقرار. المعلمون يكافحون للتعامل مع الفصول المزدحمة وقلة الموارد، بينما يسعى الأهالي والمعلمون لضمان تعليم الجيل القادم والحفاظ على وعيهم بتاريخهم وتراثهم.
الضائقة الاقتصادية هي سلاح آخر في يد الاحتلال، تُمارس من خلال نظام الضرائب التمييزي وقيود التصاريح. المحال التجارية في القدس الشرقية تُجبر على دفع ضرائب باهظة، بينما لا تحصل على خدمات بلدية مناسبة. الطرق تظل متهالكة، والبنية التحتية تتداعى، والحصول على تصاريح لبناء أو ترميم المنازل يكاد يكون مستحيلًا. هذه القبضة الاقتصادية تدفع العديد من العائلات إلى الفقر، بينما يُجبر آخرون على مغادرة المدينة.
تقييد حرية التنقل هو أيضًا جزء من حياة الفلسطينيين اليومية. غالبًا ما يحتاج سكان القدس إلى تصاريح خاصة للسفر حتى لمسافات قصيرة، وتصبح الحواجز العسكرية مصدرًا للتوتر والصدامات وحتى العنف. لا يُعد تأخير سيارات الإسعاف التي تحمل مرضى في حالة حرجة عند هذه الحواجز أمرًا نادرًا، ما يعرّض الأرواح للخطر. كبار السن والمرضى ينتظرون طويلًا تحت الشمس الحارقة أو المطر، ويتعرضون للمعاملة بعنف ويُمنعون من المرور دون مبررات واضحة.
التقسيم المؤلم للمدينة بين القدس الشرقية والغربية يُظهر بوضوح واقعًا من التمييز. القدس الشرقية، التي تضم أغلبية فلسطينية، تُعاني من إهمال ممنهج وتهميش. الطرق متدهورة، القمامة تتراكم، والخدمات العامة نادرة. في المقابل، تزدهر القدس الغربية، لتُظهر التفاوت الصارخ في المدينة. ورغم هذه الظروف، يظل سكان القدس الشرقية متمسكين بثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم.
الاعتقالات السياسية تُعد تهديدًا دائمًا، حيث يتم القبض على الشباب والنساء وحتى الأطفال بتهم غامضة مثل “إثارة الشغب”. هذه الاعتقالات ليست مجرد انتهاك للحرية، بل وسيلة للترهيب تهدف إلى كسر الروح الجماعية للمجتمع. قصص المداهمات الليلية، حيث يقتحم الجنود المنازل ويأخذون أفراد العائلة أمام أعين أطفال مذعورين، أصبحت جزءًا من الواقع المرير. تستمر آثار السجن، حيث يُحتجز المعتقلون في ظروف قاسية تشمل الحبس الانفرادي والرعاية الطبية غير الكافية.
رغم هذا الضغط الهائل، يُظهر أهل القدس صمودًا لا يتزعزع. ينظمون الفعاليات الثقافية، ويحافظون على تراثهم من خلال الفن والأدب، ويقاومون محاولات طمس هويتهم بمجرد بقائهم في مدينتهم. كل صلاة في المسجد الأقصى، وكل احتفال تقليدي، وكل فعل تذكّر، هو شكل هادئ ولكنه قوي من أشكال المقاومة.
يستمر سكان القدس في كفاحهم، مستمدين قوتهم من ارتباطهم بالأرض وببعضهم البعض. نضالهم ليس مجرد صراع من أجل البقاء؛ إنه معركة من أجل الكرامة والهوية ومستقبل يستطيع فيه أطفالهم أن يسيروا بحرية في مدينة موحدة، بلا جدران أو حواجز تفصلهم عن تراثهم.